إن حادثة الإسراء والمعراج معجزة عظيمة في تاريخ البشرية، حيث أسرى الله تعالى بنبيه الحبيب صلى الله عليه وسلم في رحلة روحية وجسدية من الأرض إلى السماء، وهذا الحدث دليل على عظمة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته العالية، وإظهار لقدرة الله الكاملة.
لقد حدث هذا الحدث الجلل في السنة العاشرة من النبوة، والتي تسمى عام الحزن، حيث واجه النبي ﷺ في تلك السنة مصاعب وخسائر شديدة.
عام الحزن وخلفيته:
- وفاة خديجة رضي الله عنها:
لقد كانت السيدة خديجة رضي الله عنها زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الشريفة وداعمته الأولى، مصدر عزاء كبير له، ولقد تسبب رحيلها في حزن النبي صلى الله عليه وسلم حزناً عميقاً.
قال ابن سعد:
كَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَزِيرَةَ صِدْقٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ، آمَنَتْ بِهِ فِي وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ غَيْرُهَا، وَوَاسَتْهُ بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَهُ قَوْمُهُ، وَصَدَّقَتْهُ حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ۔
(الطبقة الكبرى، ابن سعد)
ترجمة:
"كانت السيدة خديجة بنت خويلد صحابية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد آمنت به حين لم يؤمن به أحد، وساندته بأموالها حين حرمه قومه، وأقرت بصدقه حين أنكره الآخرون."
- وفاة أبي طالب:
وفي العام نفسه توفي عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم أبو طالب، وبعد وفاته اشتد اضطهاد قريش لهم.
- الرحلة إلى الطائف:
سافر النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكنهم ردوا عليه بالإساءة، ورموه بالحجارة فأصابوه.
يقول ابن كثير:
اللَّهُم إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ۔
(البدايات والنهايات، ابن کثیر)
ترجمة:
«اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس».
أهمية وحكمة المعراج:
لقد كان المعراج حدثاً معجزياً أظهر عظمة ومكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقدرة الله تعالى اللامتناهية.
- بيان منزلة النبوة:
لقد صلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالأنبياء كافة في المسجد الأقصى، مما أعلن أنه إمام الأنبياء كافة.
وقد ورد في الحديث:
فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ رُفِعَ لِي السَّيِّدْرَةُ الْمُنْتَهَى.
(صحیح مسلم، کتاب الإيمان)
ترجمة:
«ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء، ثم حملت إلى سدرة المنتهى».
- تجليات قدرة الله:
إن المعراج هو تجلٍّ لقدرة الله الكاملة، حيث كانت رحلة تمت في ليلة واحدة، من مكة إلى القدس ثم عبر السماوات السبع.
وقد ذكر في القرآن الكريم:
سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبصيرُ۔
(سورة الإسراء: ١)
ترجمة:
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه آياتنا إنه هو السميع البصير.
3. وجوب الصلاة:
إن أعظم حكمة في المعراج هي فرض الصلاة، فقد أعلن هذا الحدث أن أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) قد حظيت بنوع خاص من العبادة، وهو هدية المعراج.
مراحل المعراج:
كانت هناك مرحلتان رئيسيتان في المعراج:
- الإسراء (الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى):
أُسري بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بواسطة جبريل والبراق. - المعراج (الصعود إلى السماء):
عرج به (صلى الله عليه وسلم) إلى السماء فوصل إلى سدرة المنتهى، فشهد قرب الله تعالى.
النتيجة والرسالة:
- المعراج هو مظهر من مظاهر الإيمان بالغيب والقدرة الكاملة لله.
- ويشير إلى أهمية الصلاة ووجوبها على الأمة.
- الله تعالى يواسي نبيه في الأوقات الصعبة.
الرحلة إلى الأقصى وإمامة الأنبياء في الصلاة
تتكون هذه الرحلة من رحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والتي كانت معجزة جسدية وروحية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم). لم تكن هذه الرحلة مجرد تجلي لعظمة النبي (صلى الله عليه وسلم) فحسب، بل كانت أيضًا دليلاً على قدرة الله التي لا يدركها أي بشر.
خلفية وأهمية الإسراء:
لقد وقعت حادثة الإسراء والمعراج في ليلة كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يواجه فيها مصاعب وشدائد عظيمة في مكة، وكان قلبه مثقلاً بالحزن لرحيل السيدة خديجة رضي الله عنها وعمه أبي طالب، مما أثر عليه تأثيراً عميقاً، وفي ظل هذه الظروف أرسل الله تعالى نبيه في رحلة روحية عظيمة لتعزيته وإعلان عظمته الروحية.
رحلة الإسراء:
لقد ركب الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بإرشاد من جبريل عليه السلام على جواد اسمه البراق، وانطلق به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكان هذا الجواد سريعاً جداً لا حدود لسرعته، وخلال هذه الرحلة وُضِع النبي صلى الله عليه وسلم في حالة روحية وجسدية جعلت كل شيء ممكناً بالنسبة له، ومر خلال هذه الرحلة بمحطات روحية عديدة.
إمامة الأنبياء في الصلاة في الأقصى:
وعندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى كان جميع الأنبياء مجتمعين فيه، فأمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على جميع الأنبياء، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على جميع الأنبياء، مما يدل على أنه إمام جميع الأنبياء، وأن رسالته النبوية هي للبشرية جمعاء.
وقد ورد في الحديث:
فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ رُفِعَ لِي السِّدْرَةُ الْمُنْتَهَى. (صحیح مسلم، کتاب الإيمان)
ترجمة:
«ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء، ثم حملت إلى سدرة المنتهى».
حكمة الإسراء:
- قيادة جميع الأنبياء:
لقد كانت أعظم رسالة في الإسراء أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليس أعظم نبي في عصره فحسب، بل إن رسالته النبوية تكمل رسائل كل الأنبياء السابقين، وكانت إمامته في الصلاة تعلن أنه تحت قيادته تم تحقيق رسالة كل الأنبياء.
- توجيهات للمسلمين:
لقد أثبتت هذه الرحلة للمسلمين أن هداية النبي صلى الله عليه وسلم عالمية وأن خير البشرية كلها في قيادته، كما أن إمامة الأنبياء جميعاً في الصلاة أوضحت أن هداية النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الأمم.
- تجليات قدرة الله:
ومن خلال هذه الرحلة تجلت قدرة الله، فكانت الرحلة من مكة إلى القدس في ليلة واحدة، وترسيخ إمامة النبي في الصلاة على جميع الأنبياء حقيقة لا يمكن إدراكها بشرياً.
بداية المعراج بعد الإسراء:
وبعد الإسراء والمعراج، صعد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى السماء، ونال شرف التقرب إلى الله. ولم تكن رحلة المعراج هذه انعكاساً لعظمة النبي (صلى الله عليه وسلم) فحسب، بل أبرزت أيضاً قدسية وجلال قدرة الله.
النتيجة والرسالة:
إن حادثة الإسراء والمعراج رسالة عظيمة عن عظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقدرة الله وهداية الأمة، فهذا الحدث لا يبرز السمو الروحي للنبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل يعلمنا أيضاً أن اللجوء إلى الله وقوة الإيمان هما ما يجعل الإنسان ثابتاً في أوقات الشدة، إن حادثة الإسراء والمعراج بمثابة إشارة للأمة بأن الله ينصر نبيه وعباده دائماً مهما كانت الظروف.
المعراج – الرحلة عبر السماوات والصعود إلى سدرة المنتهى
المرحلة التالية من المعراج بعد الإسراء هي رحلة المعراج العظيمة، والتي عرج فيها بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من المسجد الأقصى إلى السماء ثم إلى سدرة المنتهى، وكانت هذه معجزة جسدية وروحية أظهر فيها الله تعالى لنبيه الحبيب (صلى الله عليه وسلم) آيات قدرته.
بداية المعراج:
وبعد أن صلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالأنبياء في المسجد الأقصى، عُرج به إلى السماء، وكان برفقته جبريل، واستمرت الرحلة على البراق.
الجنة الأولى:
وفي السماء الأولى التقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنبي آدم عليه السلام، فرحب به وهنأه بقدوم أفضل نبي من ذريته.
السماء الثانية:
وفي السماء الثانية التقى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالنبي عيسى (عليه السلام) والنبي يحيى (عليه السلام) فرحبا به وصليا عليه.
السماء الثالثة:
وفي السماء الثالثة التقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنبي يوسف عليه السلام، الذي كان كاملاً في الجمال، فأقر هو أيضاً بعظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
السماء الرابعة:
وفي السماء الرابعة التقى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالنبي إدريس (عليه السلام)، الذي أعطي مكانة عالية في القرآن.
السماء الخامسة:
وفي السماء الخامسة التقى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالنبي هارون (عليه السلام) وهو نبي عظيم من أنبياء بني إسرائيل.
السماء السادسة:
وفي السماء السادسة التقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنبي موسى عليه السلام، فلما تقدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم بكى موسى عليه السلام وقال: يخرج من أمتي نبي من بعدي يدخل أمته الجنة أكثر من أمتي.
السماء السابعة:
وفي السماء السابعة التقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنبي إبراهيم عليه السلام، وكان متكئاً على البيت المعمور، والبيت المعمور هو المكان الذي تطوف به الملائكة، ويطوف به كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون.
سدرة المنتهى:
وبعد السماء السابعة عرج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، وهي المكان الذي توجد فيه أعظم آيات الله، ولا يستطيع الملائكة أن يتجاوزوا هذا المكان.
القرب من الله تعالى:
وفي هذه اللحظة حظي النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقرب مباشر من الله تعالى، وقد وصف القرآن هذه اللحظة بقوله:
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (سورۃ النجم: 9)
ترجمة:
"ثم كان على بعد قوسين أو أدنى من ذلك"
هدية الصلاة:
في هذه اللحظة أنعم الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بخمسين صلاة، وفي طريق العودة أشار النبي موسى عليه السلام إلى أن الأمة لن تستطيع أن تتحمل هذا العبء، فعاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه مراراً وتكراراً حتى تقلص عدد الصلوات إلى خمس، وبقي أجرها خمسين صلاة.
حكمة المعراج:
- عظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
وقد بين الله تعالى مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقربه. - هدية الدعاء للأمة:
فجعل الصلاة قربة إلى الله. - التطور الروحي:
إن هذا الحدث يثبت أن اتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ضروري لنيل محبة الله وقربه. - تجليات قدرة الله:
إن هذه الرحلة تتجاوز إدراك العقل البشري وتوضح قدرة الله التي لا حدود لها.
النتيجة والرسالة:
إن حادثة المعراج هي مظهر من مظاهر الإيمان وعظمة النبوة وقدرة الله، وهي تعلمنا أن الصلاة هي الوسيلة الأساسية للتقرب إلى الله ونيل معرفته، فعلينا أن نعطي الصلاة أهمية كبيرة في حياتنا وأن نعيش في طاعة الله.
العودة من المعراج وامتحان قريش
بعد رحلة المعراج المعجزة، أعاد الله النبي محمد ﷺ من المسجد الأقصى إلى مكة. وكانت هذه معجزة روحية وجسدية عظيمة، شهد خلالها النبي ﷺ آيات عظيمة على قدرة الله، وأُعطي فرض الصلاة على الأمة الإسلامية. وعند عودته، روى النبي ﷺ هذه الواقعة العجيبة لقريش في مكة.
دهشة قريش وإنكارها
وعندما روى النبي ﷺ رحلته، موضحًا كيف ارتحل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء في ليلة واحدة، ردت قريش بالكفر والاستهزاء. بالنسبة لهم، كانت فكرة مثل هذه الرحلة الجسدية في مثل هذا الوقت القصير أمرًا لا يمكن تصوره.
وقد اغتنم بعض زعماء قريش الفرصة لتحدي النبي صلى الله عليه وسلم، أملاً في تشويه سمعته وزعزعة إيمان أتباعه، فطالبوا:
"إن كنت ذهبت إلى هناك حقاً فصف لنا المسجد الأقصى".
معجزة النبي صلى الله عليه وسلم
لقد أيد الله النبي ﷺ بعرض صورة حية للمسجد الأقصى أمامه، ووصف النبي ﷺ معالمه بالتفصيل الدقيق، بما في ذلك أبوابه ونوافذه وغير ذلك من الخصائص المحددة، فدهشت قريش من دقة وصفه.
التنبؤ بالقافلة
وما زال قريش يريدون اختباره فسألوه سؤالاً آخر:
"إذا كنت حقا صنع في هذه الرحلة هل رأيت قافلة في الطريق؟
فأجاب النبي ﷺ:
“نعم"لقد رأيت قافلة كذا وكذا في مكان كذا وكذا، معها هذا العدد من الإبل، وستصل إلى مكة في هذا الوقت المعين".
ووفاءً لقوله وصلت القافلة إلى مكة كما تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بالضبط، وكانت هذه معجزة لا يمكن إنكارها، ومع ذلك أصرّ كثير من الكفار على إنكارها.
إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه
ولما وصل خبر المعراج إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أجاب من دون تردد:
"إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك فهو حق لا شك فيه، وأنا أؤمن بأمور أعظم من ذلك، أنه يأتيه الوحي من السماء".
وهذا الإيمان الراسخ أكسب أبو بكر (رضي الله عنه) لقب الصديق (الصادق المصدّق).
اختبار الإيمان
لقد كانت حادثة المعراج أيضاً بمثابة اختبار لإيمان المسلمين، فمن كان ضعيف الإيمان فشل في هذا الاختبار وارتد عن الإسلام، ومن كان ضعيف الإيمان بقي على إيمانه، وزاد إيمانه بالله ورسوله ﷺ قوة.
رسالة المعراج
- قدرة الله:يُظهِر المعراج قدرة الله اللامحدودة وسيطرته على الكون.
- عظمة النبي ﷺ:إن الله بمنحه هذه الرحلة المعجزة أبرز المكانة الرفيعة التي وصل إليها نبيه الحبيب ﷺ.
- هدية صلاح:في رحلة المعراج، حظيت الأمة الإسلامية بفرض الصلاة، وهي وسيلة للتقرب إلى الله.
- اختبار الإيمان:كانت رحلة المعراج بمثابة اختبار واختبار، حيث تم فصل المؤمنين الحقيقيين عن أصحاب الإيمان الضعيف.
خاتمة
إن حدث المعراج ليس فقط شهادة على عظمة النبي ﷺ بل إنه درس عميق للأمة الإسلامية، فهو يؤكد على أهمية الإيمان بقدرة الله وصدق رسالة النبي ﷺ، ويذكر المسلمين بضرورة المحافظة على صلاتهم، وهي الهدية الإلهية الممنوحة خلال هذه الرحلة المباركة.